کد مطلب:168050 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:236

مقدمة مرکز الدراسات الاسلامیة التابع لممثلیة الولی الفقیه
بسم الله الرحمن الرحیم

«عاشوراء... قراءة فی أهم أسباب العظمة و الخلود»

الحمد لله الذی جعل الحمد مفتاحا لذكره و دلیلاعلی نعمه و آلائه، و الصلاة و السلام علی أشرف الخلائق محمد و آله الطیبین الطاهرین.

لم تزل واقعة عاشوراء - منذ سنة احدی و ستین للهجرة- تتعاظم أهمیة و شأنا عاما بعد عام، و تتسامی قدرا و قداسة، و یزید ذكرها و لایبید، و یمتد عزاء الحسین علیه السلام انتشارا فی شرق الأرض و غربها.

و تشغل هذه الظاهرة أذهان الكثیرین، و لعل أهم ما یتبادر الی ذهن المتأمل فیها من أسباب عظمة و خلود هذه الوقعة:

أولا: فی وقعة عاشوراء كان قد سفك «الدم المقدس»، دم ابن رسول الله صلی الله علیه و اله، و ابن سید الأوصیاء علیه السلام، و ابن سیدة النساء علیها السلام، و أحد سیدی شباب أهل الجنة علیهما السلام، و بقیة أهل آیة التطهیر، وسورة هل أتی، دم «سكن فی الخلد، و اقشعرت له أظلة العرش، و بكی له جمیع الخلائق، و بكت له السموات السبع و الأرضون السبع، و ما


فیهن و ما بینهن، و من یتقلب فی الجنة والنار من خلق ربنا، و ما یری و ما لایری...». [1] .

ان قداسة الامام الحسین علیه السلام (المثل الأعلی) فی ضمیر و وجدان الأمة هی التی أسبغت علی عاشوراء كل هذه القداسة و هذه الرمزیة فی الزمان فكان «كل یوم عاشوراء»، و هی التی نشرت كربلاء علی كل الأرض عنوانا لمیدان انتصار دم الحق علی سیف الباطل، فكانت «كل أرض كربلاء»، فیه علیه السلام صارت فاجعة عاشوراء «مصیبة ما أعظمها و أعظم رزیتها فی الاسلام و فی جمیع السموات و الأرض!»، [2] و لولاه علیه السلام لكانت وقعة الطف بكل ما غصت به من فجائع ألیمة: مأساة یذكرها الذاكر فیأسف لها كما یأسف لكثیر من وقائع التأریخ الألیمة الأخری المقیدة بحدود الزمان و المكان.

ثانیا: كانت كربلاء یوم عاشوراء مسرحا لمواجهة فریدة من كل جهة فی عالم الانسان، بین ذروة الفضیلة بكل مناقبیتها متمثلة بالحسین علیه السلام و أنصاره الكرام، و بین وهدة الرذیلة بكل انحطاطها متمثلة فی جیش أعدائه، فكانت جمیع وقایع عاشوراء تحكی من وجه حركة الفضیلة بأرقی ما تستطیع أن تقدمة من مثل علیا فی الأخلاق الحمیدة السامیة، تصدیقا لحجتها الواضحة الدامغة، و لحقانیتها فی الصراع، و لمظلومیتها من كل جهة، و تجسیدا للأسوة الحسنة الخالدة، كیما یتأسی بها أهل الحق و الایمان علی مدی الأجیال الی قیام الساعة!

و كانت وقایع عاشوراء تحكی أیضا من وجه آخر: حركة الرذیلة بأحط ما یمكن أن یصدر عنها من مثل سییء، كاشف عن باطلها فی الصراع، و عن جورها و ظلمها، و عن وحشیتها التی طغت حتی علی ما تعودته الوحوش الكواسر.


من هنا كانت «عاشوراء» مثلاأعلی للانسان المسلم و غیر المسلم، فی المواجهات بین الحق و الباطل، و كان الحسین علیه السلام نبراسا للانسانیة جمعاء، یفخر بالانتساب الیه و الاقتداء به كل ثائر للحق مطالب به.

ثالثا: و كانت كربلاء فی یوم عاشوراء أیضا مسرحا ل«واقعة حاسمة» بین الاسلام المحمدی الخالص، و بین حركة النفاق بكل فصائلها، واقعة حاسمة من كل جهة و لاحدود!

واقعة لم تنته بنصر حاسم محدود كما انتهت (الجمل)، و لم تنته كما انتهت (صفین) بلاحسم! بل انتهت بكل نتائجها لصالح الاسلام المحمدی الخالص و لو بعد حین، و أعادت جمیع مساعی حركة النفاق التی امتدت خمسین سنة الی نقطة الصفر، و ذلك حیث استطاعت عاشوراء التی أریق فیها الدم المقدس أن تفصل تماما بین (الاسلام الأموی) و بین الاسلام المحمدی الخالص، و أفقدت الحكم الأموی وریث حركة النفاق- بارتكابه حماقة سفك الدم المقدس- قدرته علی التلبس بلباس الحق وتضلیل الأمة علی الصعید الدینی و النفسی و الاعلامی، و هذا من أوضح آفاق الفتح الحسینی فی عاشوراء، فلو لم تكن واقعة كربلاء لكان الأمویون قد واصلوا حكم الناس باسم الدین حتی یترسخ تماما فی أذهان الناس بمرور الأیام و السنین أنه لیس هناك اسلام غیر الاسلام الذی یتحدث به الأمویون و یؤخذ عنهم!! و علی الاسلام السلام!

لهذا كشف عاشوراء عن وحدة وجودیة لاانفكاك لها بین الاسلام المحمدی الخالص و بین الحسین علیه السلام، فصارت الدعوة الی الاسلام بعد عاشوراء هی عین الدعوة الی الحسین علیه السلام، و بالعكس، و صارت مواجهة الحسین علیه السلام و معاداته بعد عاشوراء هی عین مواجهة هذا الاسلام و معاداته، و بالعكس، و صار بقاء الاسلام بعد كربلاء ببقاء عاشوراء الحسین علیه السلام فالاسلام محمدی الوجود حسینی البقاء!


رابعا: اذا نظرنا الی قیام الامام الحسین علیه السلام فی اطار الدور العام [3] المشترك لأئمة أهل البیت علیهم السلام لرأیناه متمما لكل مواقف الامام الأمیرالمؤمنین علی و الامام الحسن علیهما السلام وجهودهما فی الحفاظ علی الاسلام نقیا خالصا من كل شائبة و عالقة لیست منه أرادت حركة النفاق أن تلصقها به، و من كل نقص عمدت هذه الحركة الی احداثه فیه.

أما بعد قیام الامام الحسین علیه السلام فان جمیع الأئمة من بعده علیهم السلام - فی اطار هذا الدور العام المشترك - متممون لأهداف هذا القیام المقدس، و من هنا یمكننا النظر الی قیامه علیه السلام و كأنه مؤلف من مقاطع زمانیة ثلاثة:

1- مقطع عاشوراء: و یقوده الامام الحسین علیه السلام نفسه، و یبدأ برفضه البیعة لیزید، ثم بخروجه من المدینة الی مكة، ثم من مكة الی كربلاء، و ینتهی باستشهاده علیه السلام.

2- مقطع ما بعد عاشوراء الی عاشوراء الظهور: و یبدأ مباشرة بعد استشهاده علیه السلام، و یمتد هذا المقطع طویلاحتی ظهور الامام المهدی علیه السلام فی یوم عاشوراء، و یقود هذا المقطع تباعا الأئمة التسعة من ذریة الحسین علیهم السلام، ویلاحظ المتأمل فی هذا المقطع أن أهم معالم دورهم العام المشترك- اضافة الی حفظ الاسلام و نشر و تبیان عقائده و معارفه و أحكامه- أنهم علیهم السلام كانوا یركزون تركیزا مكثفا علی توجیه الأمة الی الارتباط بالحسین علیه السلام، و یحضون الناس علی البكاء علیه، ویدعون الشعراء الی انشاد الشعر فیه و ابكاء الناس، و تهییج أحزان یوم الطفوف، [4] و یؤكدون تأكیدات


متلاحقة و مبرمة علی زیارة الحسین علیه السلام حتی مع التیقن من خطر انتقام السلطات الظالمة!! [5] .

و لنتبرك بذكر بعض الشواهد الشریفة:

قول الامام السجاد علیه السلام: «أیما مؤمن دمعت عیناه لقتل الحسین بن علی دمعة حتی تسبیل علی خده بوأه الله بها فی الجنة غرفا یسكنها أحقابا...». [6] .

و قول الامام الصادق علیه السلام: «كل الجزع و البكاء مكروه، سوی الجزع و البكاء علی الحسین علیه السلام». [7] .

و قوله علیه السلام: «ما من أحد قال فی الحسین شعرا فبكی و أبكی به الاأوجب الله له الجنة و غفر له.». [8] .

و قول الامام الرضا علیه السلام: «ان یوم الحسین أقرح جفوننا، و أسبل دموعنا، و إذل عزیزنا بأرض كرب و بلاء، أورثتنا الكرب و البلاء الی یوم الانقضاء، فعلی مثل الحسین فلیبك الباكون، فان البكاء علیه یحط الذنوب العظام». [9] .

و قوله علیه السلام: «من ترك السعی فی حوائجه یوم عاشوراء قضی الله له حوائج الدنیا و الآخرة، و من كان یوم عاشوراء یوم مصیبته و حزنه و بكائه جعل الله عز و جل یوم القیامة یوم فرحه و سروره، و قرت بنا فی الجنان عینه...». [10] .

و قوله علیه السلام: «یا ابن شبیب، ان سرك أن تلقی الله عزوجل و لاذنب علیك فزر الحسین علیه السلام، یا ابن شبیب، ان سرك أن تسكن الغرف المبنیة فی الجنة مع النبی صلی الله علیه و اله فالعن قتلة الحسین، یا ابن شبیب، ان سرك أن یكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسین فقل متی ما ذكرته: یا لیتنی كنت معهم فأفوز فوزا


عظیما».

و قوله علیه السلام: «نفس المهموم لظلمنا تسبیح، و همه لنا عبادة، و كتمان سرنا جهاد فی سبیل الله». [11] .

و قول الامام الباقر علیه السلام فی زیارة عاشوراء: «فأسأل الله الذی أكرم مقامك و أكرمنی بك أن یرزقتی طلب ثارك مع امام منصور من أهل بیت محمد صلی الله علیه و اله و سلم... و أن یرزقنی طلب ثاركم مع امام هدی ظاهر ناطق بالحق منكم...». [12] .

و كأنهم علیهم السلام - من خلال هذه المتون و كثیر غیرها- یریدون أن یفهموا الأمة: أن الأصل عندهم هو القیام لله بوجه الظلم و الانحراف اذا تهیأت لهم العدة المطلوبة [13] من نوع «الانسان الحسینی»، و أن صناعة و صیاغة الانسان الحسینی: و هو المؤمن، المسلم لأمر أئمة أهل البیت علیهم السلام، الشجاع، الحر، الأبی، البصیر، الصلب، القاطع، المتأسی بمناقبیة الحسین علیه السلام و أنصاره الكرام، لاتكون و لاتتم الافی «مصنع عاشوراء»!

3- مقطع عاشوراء الظهور: و یقود هذا المقطع الطالب بدم المقتول بكربلاء، ثائر الحسین، الامام المهدی (عج) حین تجتمع الیه العدة المقررة من خاصة أنصاره، و یبدأ بخروجه یوم عاشوراء، و الكون یومذاك متوشح بأثواب الحزن علی جده سید الشهداء علیه السلام، و أهل الولاء فی ذروة الكآبة و الأسی و الجزع و البكاء، قد انتشروا فی مآتم الحسین علیه السلام، أو انتظموا فی مواكب العزاء، فتغمر فجأة النبأ السار المدهش - بظهور القائم علیه السلام - قلوب محبیه و موالیه و شیعته بفرحة نشوی، بعد أن آدها الغم


والهم و الحزن، وأرهقها طول الغیبة و انتظار الفرج. فتزحف كتائبه من جنود الأرض و السماء بشعار «یا لثارات الحسین»، و یسیر فی الأرض یفتح البلاد بعد البلاد بعنوان الحسین علیه السلام، و یقتل ذراری قتلة الحسین علیه السلام - لرضاهم بفعال آبائهم - و یقتل الطغاة بعد الطغاة، و الجبابرة بعد الجبابرة، حتی یحقق الفتح العالمی و یملأ الأرض قسطا و عدلابعد ما ملئت ظلما و جورا.

فما أعظم بركة عنوان الحسین علیه السلام فی كل شیء!!

و ما أعظم عاشوراء الحسین علیه السلام بدء و منتهی!!

و بعد: فهذا الكتاب (الامام الحسین علیه السلام فی كربلاء) هو الجزء الرابع من دراستنا التأریخیة التفصیلیة الموسعة (مع الركب الحسینی من المدینة الی المدینة)، و هذا الجزء یمثل المقطع الرابع من مقاطع هذه الدراسة، و یختص بتأریخ فترة وجود الامام علیه السلام فی كربلاء حتی استشهاده.

و قد تشاطر حمل عبء هذا الجزء اثنان من مجموعة محققی هذه الدراسة، هما:

1- الشیخ المحقق عزت الله المولائی: و اختص ببحث تأریخ فترة وجود الامام الحسین علیه السلام فی كربلاء الی ما قبل صبیحة یوم عاشوراء، وله الفصلان الأول و الثانی من هذا الجزء الرابع.

2- الشیخ المحقق محمد جعفر الطبسی: واختص ببحث تأریخ وقائع یوم عاشوراء من شهر المحرم سنة احدی و ستین للهجرة، حتی استشهاد الامام الحسین علیه السلام و انتهاء المعركة، و له الفصلان الثالث و الرابع من هذا الجزء الرابع. كما أن شیخنا المحقق الطبسی هذا سیواصل معنا تأریخ فترة ماجری علی الركب الحسینی بعد استشهاد الامام علیه السلام حتی وصول الركب الی الشام، فی الجزء


الخامس من هذا الدراسة، و الموسوم ب(وقائع الطریق من كربلاء الی الشام).

و كما قلنا فی مقدمتنا فی الجزء الثالث نقول هنا أیضا: اننا لاندعی شططا اذا قلنا ان هذا الجزء- كما الأول و الثانی و الثالث- قد حوی أیضا من التحقیقات و النظرات والاشارات الجدیدة ما یؤهله لسد ثغرات عدیدة فی تاریخ النهضة الحسینیة المقدسة كانت قبل ذلك مبهمة و غامضة لم تتوفر الاجابة الوافیة عنها، و لفتح نوافذ تحقیقیة كثیرة فی قضایا النهضة الحسینیة، لم تزل الحاجة ماسة الی انعام النظر و تفصیل القول فیها.

و هنا لابد من أن نتقدم بالشكر الجزیل الی مؤلفی هذا الكتاب سماحة الشیخ المحقق عزت الله المولائی، و سماحة الشیخ المحقق محمد جعفر الطبسی، لما بذلاه من جهد كبیر فی اعداد مادة هذا المقطع، و انجاز هذا البحث القیم.

كما نتقدم بالشكر الجزیل الی فضیلة الأستاذ المحقق علی الشاوی الذی تولی العنایة بهذا البحث مراجعة و نقدا و تنظیما و تكمیلا، كعنایته من قبل بالجزء الثانی و الثالث، داعین له بمزید من الموفقیة فی میدان التحقیق و مؤازرة المحققین، و فی مواصلة عنایته البالغة فی خدمة الأجزاء الباقیة من هذه الدراسة القیمة ان شاء الله تعالی.

مركز الدراسات الاسلامیة

التابع لممثلیة الولی الفقیه فی حرس الثورة الالسلامیة



[1] كامل الزيارات: 218 باب 79 رقم 2- نشر مكتبة الصدوق- طهران.

[2] فقرة من زيارة عاشوراء المشهورة - راجع: مفاتيح الجنان: ص 457- دار احياء التراث العربي- بيروت.

[3] لأئمة أهل البيت عليهم السلام دور عام يشتركون جميعا في السعي الي تحقيقة بالرغم من تفاوت الظروف السياسية والاجتماعية التي يمرون بها، كمثل مسؤوليتهم جميعا في الحفاظ علي الرسالة الاسلامية من كل تحريف. كما أن لكل منهم دورا خاصا به، تحدده طبيعة الظروف السياسية و الاجتماعية التي يعيشها كل من الاسلام و الامام و الأمة.

[4] ورد في الزيارة الجوادية للامام الرضا عليه السلام: «السلام علي الامام الرؤوف الذي هيج أحزان يوم الطفوف»- راجع: البحار: 102:55.

[5] راجع: البحار: 101- باب أن زيارته أن زيارته واجبة مفترضة مأمور بها... و أنها لاتترك للخوف.

[6] راجع: البحار: 44- باب ثواب البكاء علي مصيبته.

[7] راجع: البحار: 44- باب ثواب البكاء علي مصيبته.

[8] راجع: البحار: 44- باب ثواب البكاء علي مصيبته.

[9] راجع: البحار: 44- باب ثواب البكاء علي مصيبته.

[10] راجع: البحار: 44- باب ثواب البكاء علي مصيبته.

[11] راجع: البحار: 44- باب ثواب البكاء علي مصيبته.

[12] من فقرات زيارة عاشوارء المشهورة- راجع: مفاتيح الجنان: ص 456-457.

[13] راجع: الجزء الأول: الامام الحسين عليه السلام في المدينة المنورة: ص 213- 216، عنوان: القيام عند أهل البيت عليهم السلام.